مناعة الأطفال: الطبيعية والمكتسبة

مناعة الأطفال الطبيعية والمكتسبة

المناعة هي قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد العوامل الممرضة مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات والطفيليات، والهدف منها حماية الجسم من الأمراض المختلفة. توجد نوعان من المناعة: المناعة الطبيعية والمناعة المكتسبة، وكلاهما يعملان معًا بشكل تكاملي لضمان قدرة الجسم على مقاومة العدوى بشكل فعّال.

أولًا: المناعة الطبيعية

المناعة الطبيعية هي أول خط دفاع للجسم ضد الأمراض، وتعد جزءًا من النظام الدفاعي الفطري الذي يولد به الإنسان. تختلف المناعة الطبيعية عن المناعة المكتسبة في كونها غير محددة ولا تعتمد على تعرض الجسم لعامل ممرض معين. فهي تعمل ضد جميع أنواع الميكروبات بطريقة عامة.

1. المناعة الفطرية في الأطفال:

تُعتبر المناعة الفطرية أو الطبيعية هي الأساس الذي يُبنى عليه النظام المناعي. في المراحل المبكرة من الحياة، يمتلك الطفل المناعة الطبيعية التي تبدأ بالتطور منذ لحظة الولادة. هذه المناعة لا تتطلب تعرضًا مسبقًا لأي نوع من البكتيريا أو الفيروسات.

تتضمن المناعة الفطرية عدة آليات، مثل:

• الحواجز المادية: مثل الجلد والأغشية المخاطية في الأنف والعيون والفم، التي تمنع دخول العوامل الممرضة إلى الجسم.

• الخلايا المناعية: مثل الخلايا البلعمية التي تلتهم الكائنات الدقيقة الغازية، والخلايا القاتلة الطبيعية التي تهاجم الفيروسات والخلايا السرطانية.

• الاستجابة الالتهابية: وهي استجابة سريعة تحدث عندما يتعرض الجسم للعدوى، وتؤدي إلى زيادة تدفق الدم إلى المناطق المصابة لاحتواء العدوى.

2. دور الأجسام المضادة في المناعة الطبيعية:

عند الولادة، يحصل الطفل على أجسام مضادة من الأم عبر الحبل السري أو من خلال الرضاعة الطبيعية. هذه الأجسام المضادة تقدم حماية مؤقتة ضد الأمراض التي تعرضت لها الأم، وتستمر فائدتها للأشهر الأولى من حياة الطفل.

على الرغم من أن المناعة الطبيعية توفر حماية كبيرة ضد العديد من الأمراض، إلا أنها لا تقدم حماية دائمة ضد جميع أنواع العدوى. لذلك، يبدأ الجسم بتطوير المناعة المكتسبة في مرحلة لاحقة من الحياة.

ثانيًا: المناعة المكتسبة

المناعة المكتسبة هي المناعة التي يكتسبها الجسم نتيجة تعرضه للمستضدات (المواد التي تحفز الاستجابة المناعية). تعتبر هذه المناعة أكثر تخصصًا ومرونة من المناعة الطبيعية، حيث تستجيب فقط للمستضدات التي مر بها الجسم سابقًا.

1. أنواع المناعة المكتسبة:

تُقسم المناعة المكتسبة إلى نوعين رئيسيين: المناعة النشطة و المناعة السلبية.

أ. المناعة النشطة:

تُكتسب المناعة النشطة عندما يتعرض الطفل للميكروبات أو اللقاحات. عند تعرض الجسم للمستضد، يبدأ جهاز المناعة في تكوين استجابة مناعية، من خلال تنشيط الخلايا المناعية مثل الخلايا التائية والخلايا البائية. تقوم هذه الخلايا بإنتاج الأجسام المضادة التي تساعد على تدمير الميكروبات.

هذه المناعة تتطور على مدى فترة زمنية، حيث يحتاج الجسم إلى عدة أسابيع أو أشهر لتطوير ذاكرة مناعية. عندما يلتقي الجسم بنفس الميكروب في المستقبل، يكون الجهاز المناعي قادرًا على التعرف عليه سريعًا وتوجيه استجابة مناعية سريعة.

ب. المناعة السلبية:

المناعة السلبية تحدث عندما يحصل الطفل على الأجسام المضادة من مصدر خارجي، مثل اللقاحات أو الأم. هذه الأجسام المضادة لا يتم تصنيعها داخل جسم الطفل، وإنما تُنقل له من مصادر أخرى. المناعة السلبية تقدم حماية مؤقتة فقط، وتختفي مع مرور الوقت.

2. اللقاحات ودورها في المناعة المكتسبة:

اللقاحات هي أحد أروع إنجازات الطب في مجال المناعة. من خلال تحفيز الجهاز المناعي على تكوين استجابة ضد مستضدات معينة، تحمي اللقاحات الأطفال من الأمراض الخطيرة مثل الحصبة، الدفتيريا، التيتانوس، والشلل، وغيرها. عند تلقي اللقاح، يتم تدريب جهاز المناعة على التعرف على الميكروب ومكافحته بشكل أكثر فعالية في المستقبل.

اللقاحات تعد أحد ألوان المناعة السلبية التي لا تعتمد على الإصابة بالمرض بشكل مباشر، بل يتم تحفيز الجهاز المناعي بواسطة مستضدات ميتة أو ضعيفة تحاكي الميكروب الفعلي دون التسبب في المرض.

3. العوامل المؤثرة في المناعة المكتسبة:

تختلف قدرة الأطفال على بناء المناعة المكتسبة بناءً على عدة عوامل:

• التغذية: تؤثر نوعية الغذاء الذي يتناوله الطفل على قوة جهازه المناعي. الأطفال الذين يحصلون على تغذية متوازنة من الفيتامينات والمعادن يكون جهازهم المناعي أقوى.

• الراحة والنوم: يعتبر النوم الجيد والراحة من العوامل المهمة في تعزيز الاستجابة المناعية. الأبحاث أظهرت أن قلة النوم تؤدي إلى تقليل فعالية الجهاز المناعي.

• البيئة المحيطة: تعرُّض الطفل للبيئة المحيطة قد يساعد في تحفيز المناعة المكتسبة. مثلاً، تعرض الأطفال لمستويات معتدلة من الجراثيم في مرحلة الطفولة قد يساعد في تقوية مناعتهم على المدى البعيد.

4. المناعة المكتسبة أثناء الرضاعة:

أثناء الرضاعة، يحصل الطفل على أجسام مضادة من حليب الأم، وخاصة من حليب السرسوب (أول حليب تنتجه الأم بعد الولادة). هذا النوع من الحليب يحتوي على مستويات عالية من الأجسام المضادة، بما في ذلك الغلوبولين المناعي A، الذي يحمي الطفل من الأمراض المعدية.

التوازن بين المناعة الطبيعية والمكتسبة

يتعاون النظام المناعي الفطري (الطبيعي) والنظام المناعي المكتسب في حماية الجسم ضد الأمراض. في البداية، يعتمد الطفل على المناعة الطبيعية التي توفر حماية سريعة وواسعة ضد العدوى. ومع مرور الوقت، ومع تعرضه للمستضدات من خلال اللقاحات أو العدوى الطبيعية، يبدأ الجهاز المناعي في تطوير المناعة المكتسبة.

تسهم هذه العمليات في بناء ذاكرة مناعية، بحيث يمكن للجسم التعرف على الميكروبات بسرعة أكبر في المستقبل، وبالتالي تقليل فرص الإصابة بالمرض.

الخاتمة

المناعة هي عنصر أساسي في حماية الأطفال من الأمراض والحفاظ على صحتهم العامة. تتراوح المناعة بين نوعين رئيسيين: الطبيعية والمكتسبة، وكل نوع له دوره الخاص في الدفاع عن الجسم. على الرغم من أن المناعة الطبيعية توفر حماية أولية ضد العوامل الممرضة، إلا أن المناعة المكتسبة، خصوصًا من خلال اللقاحات والتغذية السليمة، هي التي تساهم في توفير حماية دائمة ضد الأمراض.